السبت، 4 مايو 2013

الثورة المصرية: أسئلة بلا أجوبة - جلال أمين بيحاول يفهم علي بوابة الشروق




نشر فى : السبت 4 مايو 2013 - 8:00 ص
ها قد كاد يكتمل عامان ونصف العام على قيام ثورة 25 يناير 2011 والمصريون فى حالة حيرة شديدة، لا يصدقون ما جرى لهم، ولا يكفون عن التساؤل: إلى أين هم ذاهبون؟

  إذا استرجعت ما حدث فى هذين العامين ونصف العام، تعود إلى أسئلة كثيرة ثارت بذهنى منذ اليوم الأول من الثورة، بل وأيضا خلال السنة السابقة عليها، ولم أعثر حتى الآن على إجابة مرضية، ولم أسمع من أحد (على كثرة ما نسمعه من تحليلات) ما يشفى الغليل.

فلنعد إلى ما قبل الثورة بنحو عام. سطع فجأة نجم الدكتور محمد البرادعى، ذلك الرجل المحترم والحائز على جائزة نوبل، وقدمته وسائل الإعلام على أنه زعيم محتمل لثورة مصرية. فلما جاء إلى القاهرة واستقبلته آلاف مؤلفة من الشباب فى المطار، استقبال الأبطال والزعماء، ثار فى نفسى السؤال الآتى: لقد تعودنا من الجهات المسئولة عن الأمن فى مصر أن تحتاط ضد أى احتمال لثورة أو شغب، فلماذا تركوا هذا يحدث فى مطار القاهرة، وفى استقبال زعيم جديد محتمل؟

عندما قامت ثورة 25 يناير، قال بعض المحللين إن من أسباب قيامها، بالإضافة إلى أسباب السخط الكثيرة فى مصر، وصول عدوى الثورة من تونس إلى القاهرة. ولكنى لم أسترح لهذا التفسير. فقد بدا لى أن ثورة فى بلد مجاور قد تشجع على قيام بوادر ثورة، أما نجاحها فى إسقاط رئيس النظام فيحتاج إلى أشياء أخرى مهمة. ومن ثم تساءلت: ما الذى جعل أجهزة الأمن تبدى كل هذا التهاون فى التعامل مع الشباب فى الميادين، وقد عودتنا المرة بعد المرة، أن تحتاط لهذا بألف طريقة، من بينها احتلال الميادين نفسها من قبل أن يصل إليها الثوار. فلماذا لم يحدث هذا فى هذه المرة؟

ثم انهمرت الأسئلة المحيّرة، الواحد بعد الآخر، ما سر إطلاق سراح المسجونين من بعض السجون ليشيعوا فى البلد الفوضى؟ وما سر ذلك التهاون المدهش فى التعامل مع مهاجمى الكنائس؟ وما سر السماح لبعض المسجونين المهمين، ممن اشتركوافى قتل السادات، بالظهور فى التليفزيون مع أكثر المذيعين شهرة، لتبرير أعمال إجرامية سبق لهم ارتكابها؟ مَن المسئول عن السماح بذلك؟ ومنذ متى يجرى مثل هذا من وراء ظهر أجهزة الأمن؟

ظهرت على شاشة التليفزيون أيضا شخصية أخرى، هى شخصية شاب كان قد اعتقل لدى وصوله من الخارج بعد قيام الثورة بأيام قليلة، وقيل إن الإفراج عنه، بعد اعتقال استمر 12 يوما، جاء بتدخل من الإدارة الأمريكية. ظهر وهو يبكى فى التليفزيون، فلم يقنعنى، ولما قرأت فيما بعد كتابا له عن دوره فى الثورة، وكان الكتاب قد ظهر أولا فى أمريكا ثم ترجم إلى العربية، لم يقنعنى أيضا إذ وجدت تاريخه الشخصى والعائلى لا ينسجم مع إشعال ثورة فى البلاد، وهو على أى حال سرعان ما اختفى ولم يبد له أى دور فى تطور أحداث الثورة فما سر هذا الشاب أيضا؟

ابتهجنا بشدة بامتناع الجيش عن ضرب الثوار حتى سقط الرئيس، بل بدا أن قادة الجيش قد لعبوا دورا مؤكدا فى الضغط على الرئيس للتنحى عن منصبه، ولكن لماذا قام المجلس العسكرى بعد تسلمه الحكم، بهذه التصرفات الغريبة التى لا تنسجم بالمرة مع روح الثورة وأهدافها، التى افترضنا أن المجلس العسكرى يتعاطف معها؟ ما هذا الاختيار الغريب، لرئيس الوزراء، واحدا بعد آخر، لا يعبر أى منهما عن روح الثورة، أحدهما كان عضوا بلجنة السياسات فى النظام السابق، والآخر كان رئيسا للوزراء فيه، مع تمسك المجلس العسكرى بكل منهما لمدة أطوال بكثير من صبر الناس واحتمالهم؟

 لماذا رفض المجلس العسكرى اقتراحا وجيها بتكوين مجلس رئاسى يضم بعض المدنيين الذين يتمتعون بثقة الناس؟ ولماذا إضاعة الوقت فى تعديل دستورى يتعلق بمواد عبّر الناس عن رأيهم فيها مسبقا بقيامهم بالثورة، ثم استفتاء على التعديل، فى ظل تدهور اقتصادى وأمنى، بدلا من القيام مباشرة بوضع دستور جديد؟ ومن المستفيد من شغل الناس بحوارات عقيمة ومناقشة وثائق لا قيمة لها؟ والوقت يمر وحالة الأمن تزداد ترديا، والوضع الاقتصادى يزداد صعوبة؟ ولماذا لم يصنع أى شىء جدى لاسترداد الأموال المنهوبة والمهربة من رجال النظام السابق؟ وما هذه المحاكمات الهزلية للرئيس ورجاله، والقبض ثم الإفراج عن رجال ذلك العهد دون مبررات مفهومة لتقديم هذا الرجل دون ذاك للمحاكمة؟ وترك البعض يسافرون دون غيرهم؟ وتجميد أموال البعض وترك أموال الأكثر خطورة؟

وما سر القبض على بعض الأمريكيين المهمين بتهمة غريبة هى عدم الحصول على تصريح بتكوين جمعية، مع أن الجمعيات التى تترك بلا تصريح لها تاريخ طويل فى مصر؟ وما الذى جعلهم يفرج عنهم فجأة؟ من الذى تدخل ولماذا؟

أما ترك الاقتصاد يتدهور فحدِّث عنه ولا حرج. هل كانت معالجة هذا التدهور الاقتصادى صعبة حقا إلى هذا الحد؟ وما الذى جعل قرض صندوق النقد الدول ىعرض ثم يسحب، ثم يعرض من جديد ثم لا يحدث فيه أى تطور؟

ثم ما كل هذه القسوة فجأة فى معاملة الثوار، وقد كنتم تتكلمون عنهم كلاما رائعا منذ قليل؟ ما كل هذا القتل وإصابة الأعين والسحل والكشوف على العذرية... إلخ. من أين جاءت هذه القسوة المفاجئة وما مبرراتها؟

أما الترشيحات لرئاسة الجمهورية فلم تكن أقل مدعاة للدهشة. لماذا لم يضبط أمر هذه الترشيحات وترك من هب ودب ليرشح نفسه، ولماذا يدفع البعض إلى الترشح ثم يدفع البعض إلى الانسحاب؟ ثم استبعاد بعض المرشحين بمبررات واهية، مع السماح لرجال من فلول العهد السابق بالترشح، حتى انتهى الأمر إلى تنافس بين شخصين مدهشين، أحدهما من الفلول والآخر لا نكاد نعرف عنه شيئا، وقيل إنه جاء فقط بالنيابة عن غيره؟ وقد نجح أحدهما بفارق ضئيل جدا، علما بأن معظم من أعطوا صوتهم لأحدهما لم يقصدوا انتخابه هو، بل كانوا يقصدون فقط ألا يصوتوا للآخر! فهل هذه نتيجة طبيعية لثورة شعبية رائعة؟ ثم إذا بالرجل الذى فاز بالرئاسة يفاجئنا بعد أيام قليله من فوزه بتنحية العسكريين مع شكرهم شكرا جزيلا، وترفيه بعضهم فلماذا قبل العسكريين هذه المعاملة بهذه السهولة؟

أما ما حدث فى ظل الرئيس الجديد، وما لم يحدث أيضا، فحدِّث عنه ولا حرج. لماذا رئيس الوزراء هذا بالذات؟ وفى البلد كثيرون ممن يعبرون عن روح الثورة وأهدافها بأفضل منه بكثير؟ ولماذا التمسك به رغم ازدياد السخط عليه؟ ولماذا إهمال القضايا الرئيسية كمكافحة ارتفاع الأسعار وتوفير السلع الضرورية وضبط الأمن وعلاج تدهور السياحة... إلخ؟ والاهتمام بدلا من ذلك بأمور مدهشة كإصدار قرار بإغلاق المحلات فى العاشرة مساء؟ ولماذا تلغى القوانين بعد صدورها بساعات... إلخ؟

أثناء ذلك أيضا تحدث أحداث مدهشة فى سيناء، وتصدر تصريحات تؤكد أن سيناء ستبقى مصرية (وهل أصبح هذا محل شك؟) وكلام كثير عن قناة السويس مع التأكيد على أنها ستظل أيضا مصرية (وهل هذه أيضا أصبحت محل شك؟) ومشروع اسمه الصكوك الإسلامية يشبه مشروعا باسم الصكوك الشعبية كان قد طرح فى أواخر النظام السابق. وتصريح من قائد من قادة الحزب الحاكم بأنه لا مانع من استعادة اليهود الذين تركوا مصر فى الماضى لأموالهم. وعندما يحتج الكثيرون على التصريح ويستغربون صدوره، يقول صاحب التصريح إنه كان يعبر عن رأيه الشخصى وليس رأى الجماعة أو رأى الحكومة. فلماذا لم تستنكر الجماعة أو الحكومة هذا التصريح، بل ولماذا لم يعاقبوا صاحبه على إصداره؟

 وأثناء ذلك أيضا يأتى رجل أمريكى مهم بعد آخر، للالتقاء بالمسئوين المصريين ثم ينصرف. فما الذى يقال فى هذه الاجتماعات التى لابد أن تكون مهمة؟ ولماذا إسرائيل صامتة إلى هذا الحد؟ ولماذا قطر نشيطة إلى هذا الحد... إلخ؟

  البعض يسمى إثارة مثل هذه الأسئلة «نظرية المؤامرة» أو الأفضل من ذلك، ما هى إجاباتكم عنها؟
الثورة المصرية: أسئلة بلا أجوبة - جلال أمين - بوابة الشروق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق