"كمساري، سائق، حلاق سيدات، حانوتي، تاجر بانجو..." اصطفوا في طابور طويل أمام لجنة تلقي طلبات الترشح لرئاسة جمهورية مصر العربية في أول انتخابات رئاسية نزيهة في تاريخ مصر بعد عقودٍ من الفساد والظلم والاستبداد رغبة في ترشيح أنفسهم لرئاسة الجمهورية.. فمَن منهم سيعتلي كرسي العرش في مصر الثورة؟ وما مصير أكبر دولة عربية وأهم دولة إسلامية ومحورية يهتم بها العالم كله إذا حكمها "حانوتي" أو "كمساري" أو "تاجر مخدرات"؟.
مهندس زراعي ذهب لسحب أوراق الترشح لرئاسة الجمهورية راكبًا دراجة بخارية، وآخر صاحب شركة أسمدة أكد أنه في برنامجه الانتخابي سوف يقوم بإنشاء حزب يسمى "الحشاشين والمافيا"، مدعيًا تأييد نصف الشعب المصري لأنهم من وجهة نظره يتعاطون المخدرات ويشربون البانجو والحشيش، وثالث يدعي أنه حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه قرر الترشح بعد أن رأى منامًا يدفعه إلى ذلك، ورابع أكد أنه الابن الشرعي للملك فاروق، مطالبًا بتغيير علم مصر والعودة للعلم الأخضر القديم، كما طالب بالعودة إلى الأوزان القديمة مثل الرطل والأوقية، وخامس يُدعى محمد سيد فاجأ اللجنة بتلقي طلبات الترشح مرتديًا في قدميه "شبشب"، وسادس اسمه سمير عبد السميع مدبولي "كمساري" بهيئة النقل العام يرى أنه الأجدر بحكم مصر، أما أحمد الزيني "حانوتي" من محافظة سوهاج فقال إنه أعلن عن ترشحه لانتخابات الرئاسة لأنه أكثر شخص يشعر بالمقهورين والمظلومين!!!!.
وهل هؤلاء- مع احترامنا لكل صاحب مهنة شريفة منهم- بالفعل سيكونون مرشحين بالرغم من عدم استيفائهم شروط الترشح لرئاسة الجمهورية من الأصل؟ وما أسباب سعيهم للترشح للرئاسة؟ وهل هناك أسباب ودوافع نفسية وراء ذلك؟
(إخوان أون لاين) يناقش أسباب "الهوس" الذي أصاب كثير من المصريين ودفعهم للسعي إلى الترشح للرئاسة، وهل هناك أسباب نفسية وراء ذلك في سطور التحقيق التالي:
بدايةً يرى الدكتور حامد زهران أستاذ الصحة النفسية وعميد كلية التربية بجامعة عين شمس الأسبق أن الإنسان بطبعه يميل إلى الشهرة، وأن يكون حديث الناس ويأخذ الجميع برأيه، موضحًا أن الشهرة غريزة فطرية تولد مع الإنسان، لكن حينما تزداد عن الحد الطبيعي تكون دليلاً على أعراض مرض نفسي".
ويوضح أن ما نشاهده اليوم حينما يتقدم هذا العدد غير المتوقع لسحب أوراق الترشح للرئاسة بشكلٍ يؤكد غياب المفهوم الحقيقي للمسئولية التي يتضمنها لقب "رئيس الجمهورية"، وأنه ليس لقبًا شرفيًّا، يُوحي بأن حبَّ الشهرة والظهور تحوَّل إلى مرضٍ نفسي يؤدي للأنانية والإعجاب بالنفس، ويتحكم في حياة الإنسان بشكلٍ مرضي ويدفعه لتبرير كل أفعاله وعدم الاستجابة للنصح أو النقد.
ويضيف أن أهم سمات مرضى هوس الشهرة وهلوسة حب الظهور، أنهم يعانون من التضخم الأناوي فنجدهم يسعون لتقلد المناصب العليا حتى مع افتقادهم للشروط التي تؤهلهم لهذه المناصب وكأنهم في موقفٍ كوميدي يريدون أن يؤدوه ببساطة.
الحريات
ويرى الدكتور أشرف عرفات أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة القاهرة أن حالة الكبت التي عانى منها المصريين لأكثر من ثلاثة عقود تحت حكم المخلوع ومن قبله وظن المصريون أنها ستبقى للأبد، ولن يستطيع شخص مهما كانت كفاءته أن يترشح لمنصب رئيس الجمهورية جعلت من منصب الرئيس حلمًا لكل مصري طموح أو حتى راغب للشهرة ومحب للظهور والقيادة.
ويضيف أن ثورة يناير أطلقت الحريات وأخرجت كل المعتقلين السياسيين من السجون، وأصبح الكثير منهم أعضاء في البرلمان أصابت الشارع المصري بالدهشة؛ ما جعل الجميع يريد أن يتولى المناصب الإدارية حتى لو كانت رئاسة الجمهورية، مؤكدًا أنه سواء اتفقنا أو اختلفنا مع المتقدمين لخوض الانتخابات الرئاسية، إلا أن حق سحب أوراق الترشح للرئاسة مكفول لكل مواطن مصري طالما لم يخالف شروط اللجنة العليا للانتخابات، وجزء من الحرية التي قامت من أجلها الثورة.
وأبدى تخوفه مما يدور داخل الغرف المغلقة والتلاعب في بعض النصوص- على حدِّ تعبيره- خاصة مع قرارات اللجنة المشرفة علي الانتخابات؛ لأنها غير قابلة للطعن، مشيرًا إلى احتمالية فرض اسم معين "كرئيس" لم يختره المصريون.
ظاهرة طبيعية
ويعتبر الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية أن كثرة أعداد المتقدمين لانتخابات الرئاسة أمر طبيعي؛ لأنها أول انتخابات رئاسية تُقام في مصر ليس بعد الثورة فقط، ولكنها في تاريخ مصر، مشيرًا إلى أنها أول انتخابات نزيهة ويتابعها العالم أجمع مما يعزز صورة الديمقراطية أمام الدول المتقدمة قبل النامية.
ويوضح أن التقدم للرئاسة يتطلب جهدًا سياسيًّا وخبرة علمية وكفاءة إدارية غير عادية ليست متوفرة لدى كثير من المرشحين بل ولا توجد في كثيرٍ من الخبراء السياسيين المعروفين على الساحة.
ويؤكد أن الهدف ترشح البعض هو التسابق إلى أجهزة الإعلام لعمل المداخلات، ونشر صورهم في المجلات والصحف وترديد أسمائهم في الشارع المصري؛ ما يجعلهم يرفعون بعض المطالب الفئوية ويكون لها صدى أكبر.
ويشر إلى أن كثرة أعداد المتقدمين لخوض غمار انتخابات الرئاسة ليس غريبًا عن الساحة السياسية، وتوجد في جميع دول العالم المتقدم، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية التي يتقدم منها العشرات كل دورة للرئاسة، ولكن وسائل الإعلام لا تهتم به ولا يعرفهم الرأي العام العالمي.
ويرى أن تقدم بعض المرشحين من المهنيين والمغمورين لرئاسة مصر لن يسيء إليها بل سيعطي درسًا في الديمقراطية للعالم؛ لأن من حقِّ أي إنسانٍ الترشح لأي منصبٍ يريده وعليه استيفاء الشروط ثم التزكية من قِبل الشارع، مشيرًا إلى أن الذي يسيء إلى الدولة خارج الحدود هو عدم تكافؤ فرص المرشحين أو تزوير الانتخابات فقط.
ويوضح أن الانتخابات الرئاسية المصرية ستعطي للعالم درسًا من حيث الشفافية والإقبال الجماهيري، كما حدث في انتخابات مجلس الشعب، مؤكدًا أنه لا يوجد شيء يُعكِّر صفو الانتخابات الرئاسية سوى المادة "28" من القانون الرئاسي التي تقضي بنفاذ وعدم الطعن في النتيجة النهائية التي ستعلنها الهيئة القضائية المشرفة على الانتخابات.
قدرات سياسية
ويقول عبد الغفار شكر إن عددَ المتقدمين زاد بصورةٍ كبيرةٍ لم تكن متوقعة على الإطلاق، ولم نرها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، مضيفًا أن هناك حالةً من النشاط العصبي لدى المتقدمين الذين يريدون الشو الإعلامي فقط.
ويضيف أن جميع المتقدمين حتى الآن غير جادين في الترشح؛ لأن منهم مَن أتى بـ"شبشب" وآخر يقود دراجةً بخارية، وآخرون يتظاهرون أمام لجنة تلقي الترشيحات وكأنها "ميغة"، مؤكدًا أن الجادين في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية أكبر من هؤلاء؛ لأن مصر تحتاج إلى رجل كبير- على حدِّ تعبيره- لأنها دولة عظيمة.
ويرى أن عدد المرشحين لرئاسة الجمهورية لن يتعدى "20" مرشحًا؛ وذلك لأن هذا المنصب يحتاج إلى قدرات سياسية وإدارية عظيمة غير متوفرة في هؤلاء المرشحين المغمورين، فضلاً عن أنه يحتاج إلى دعم مادي وجماهيري لا يتمتع بهما معظم المرشحين.
ويؤكد أن الكثير من المصريين أساءوا استخدام مكتسبات ثورة يناير، ولا يفهمون المعنى الحقيقي للديمقراطية، موضحًا أن الديمقراطية في منظورهم هي أن فعل كل شيء بحرية والتقدم لأي منصبٍ متجاهلين أن لكل حادثٍ حديث، وأن كل موضع ومكان له عظمته يتطلب قدرات خاصة.
حب الشهرة
وتؤكد الدكتورة داليا مؤمن أستاذ علم النفس جامعة عين شمس أن منصب الرئيس بحاجةٍ لكفاءات من نوعٍ خاص، وأن جون ميجور رئيس وزراء بريطانيا، كان في الأساس "كمساري" لكنه ناضل حتى أثبت جدارته بتولي هذا المنصب، مضيفةً أن الوظيفة المهنية لا تحسم ترشح صاحبها من عدمه لأي منصب حتى لو كان رئيسًا الجمهورية.
وتضيف أن حب الشهرة يأتي في مقدمة دوافع ترشح المغمورين للرئاسة؛ وذلك من خلال الحصول على لقب مرشح الرئاسة المحتمل ثم المرشح السابق للرئاسة، وهذه طبيعة بشرية، ولكنها توجد في العرب بصفةٍ أساسية، فضلاً أن الترشح يتيح له حلم الظهور في إحدى وسائل الإعلام.
وترجع هذه الظاهرة غير المسبوقة إلى سياسة القهر وتكميم الأفواه التي عانى منها المجتمع المصري على مدى 60 عامًا سابقة، حتى شهدت فترة الستينيات هجرة أكبر عددٍ من العقول المصرية للخارج لتحظى بشهرة عالمية وترفع اسم مصر لنتباهى بهم وكأنهم ليسوا أبناء هذه الأرض.
إخوان اون لاين - فوضى الترشح لمنصب الرئيس.. حالة نفسية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق