أثارت كثرة المتقدمين للترشح لانتخابات الرئاسة المصرية إندهاش المراقبين للشأن المصري بعد الثورة، لاسيما أن غالبية المتقدمين لسحب أوراق الترشح لا تتوافر فيهم أدنى شروط شغل المنصب، فبعضهم بائعون متجولون أو سائقو تاكسي أو تجار أو فنيو إصلاح سيارات أو تجار مخدرات أو لصوص سابقون، بل إن بعضهم لا يجيد القراءة أو الكتابة، ووصل الأمر إلى حد أن أحدهم يتضمّن برنامجه العودة إلى الملكية.
أحد المرشحين للرئاسة في مصر بعد أن قام بتقديم ملفه |
القاهرة: بعض الخبراء يرون أن ظاهرة كثافة المرشحين إلى منصب الرئيس في مصر تدلّ على تعطش المواطنين لممارسة حقوقهم السياسية أو التطلع للحصول على المناصب الرفيعة، لاسيما أنهم عانوا لسنوات طويلة من جملة "غير لائق إجتماعياً".
625 مرشحاً
وصل عدد المتقدمين للترشح للإنتخابات الرئاسية منذ فتح باب الترشح في 10 مارس/ آذار الجاري إلى 625 مرشحاً، و قال المستشار حاتم بجاتو رئيس الأمانة العامة للجنة إن تكلفة الأوراق والنماذج التى يحصل عليها مرشحو الرئاسة بصفة يومية تتجاوز الـ60 جنيها، مشيراً إلى أن التكلفة بلغت 37 ألفا و500 جنيه في 6 أيام فقط بعدما وصل عدد من سحبوا الأوراق إلى 625 فرداً.
ولفت إلى أن اللجنة كانت قد أعدت أوراقا ونماذج ملونة فوصل عددها إلى 300 ملف، إلا أنها اضطرت إلى تصوير هذا الملف صورة ضوئية، لتقليل التكلفة، بعد تزايد الإقبال على الترشح للرئاسة بهذا الشكل، ونبه إلى أن هذه الأعداد لم ترشح نفسها رسميا ولم تقدم أوراقا للجنة وأن القانون نص على أن تكون هذه الاستمارات مجانية ولكنه وضع شروطا لخوض الانتخابات رسميا والتي تتجلى في أن يحصل كل مرشح مستقل على 30 ألف توكيل ناخب أو 30 عضوا من مجلسي الشعب والشورى أو ورقة رسمية من الحزب الذي ينتمي إليه ويؤيده في الترشح، وهذا يعني أن من لم يحصل على هذه الشروط فلن تقبل أوراقه أمام اللجنة.
مرشح لعودة الملكية
تضم قائمة من سحبوا أوراق الترشح صنوفاً مختلفة من المصريين، غالبيتها تثير الدهشة، لاسيما أنها لا تتوافر فيها أدنى شروط شغل أي منصب إداري رسمي، وليس أرفع منصب في مصر، ألا وهو رئيس الجمهورية.
ومن تلك النماذج: عادل علي عابدين الذي زعم أنه نجل آخر للملك فاروق آخر ملوك مصر، وقال إن محكمة مصرية تنظر في قضية نسبه إلى الملك فاروق، وكان يحمل علم مصر في عهد الملكية، ووعد بإعادة الملكية إلى مصر مرة أخرى في حالة فوزه بالإنتخابات الرئاسية، وقال إن مصر ما زالت في حكم الملكية، معتبراً أن ثورة 23 يوليو 1952 مجرد إنشقاق عن الجيش الملكي، وبالتالي فالحكم منذ ذلك التاريخ وحتى الآن غير شرعي.
ومن أطرف النماذج فلاح بسيط يدعي البدراوي فرحات وينتمي إلى محافظة الدقهلية، وقال إنه غير متعلم، ولا يقرأ ولا يكتب، لكنه قال إنه يقرأ ويكتب بالإنكليزية جيداً، وتعهد العفو عن مبارك في حال فوز بالرئاسة.
وليس لدى عصام السيد "سائق تاكسي"، أدنى شك في أنه سوف يفوز بالإنتخابات الرئاسية، وقال إنه حصل على توكيلات من نحو أربعة آلاف مصري، مشيراً إلى أن برنامجه يرتكز على محورين الأول: تحديد النسل، والآخر: عدم التبعية لأميركا.
تاجر مخدرات ولص
ومن المضحكات المبكيات أن مصرياً تقدم للترشح للرئاسة، وضبط وبحوزته مواد مخدرة "بانجو"، حيث أصدرت البوابات الإلكترونية في مقر اللجنة العليا للإنتخابات إنذاراً، وبتفتيشه عثر معه على المخدرات، الأغرب مما سبق أن الرجل الذي كان ينوي الترشح ويعمل مدرساً، إتهم منافسيه في الإنتخابات بدس المخدرات له، لإبعاده عن المنافسة نظراً لشعبيته الطاغية.
وإذا كان هناك مرشح ضبط بحوزته مخدرات، فلا عجب أن لصاً سابقاً، أعلن ترشحه للرئاسة، وتقدم لسحب الأوراق من المكان ذاته، وليس لديه أدنى غضاضة في التصريح بأنه كان لصاً محترفاً، إنه المرشح محمد راشد عبد القادر، الذي كون ثروة تقدر بخمسة ملايين جنيه من السرقة، ثم أعلن توبته، وألف كتاباً يروي فيه تجربته مع السرقة.
قال إنه قادر على الحصول على 30 ألف توكيل من المصريين، مشيراً إلى أن مصر كانت تسرق وتنهب طوال الثلاثين عاماً الماضية، لكن في عهده لن يستطيع أحد سرقة مليم واحد منها لأنه حرامي سابق ويعرف كل شيء عن أصول السرقة".
سيد عبد الله حسن تقدم للترشح للإنتخابات الرئاسية، لأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم جاءه في المنام، وطالبه بالترشح، وأنه يدعمه في السباق نحو كرسي الرئاسة، ويقول إن شهرته "حسن ظاظا"، ويشير إلى أن المخرج السينمائي خالد يوسف يدعمه في حملته الإنتخابية.
واتخذ الأمر طابعاً هزلياً على مواقع التواصل الإجتماعي، لاسيما فايسبوك وتويتر، وكتب البعض: "ليه تنتخب طالما ممكن تترشح؟" و"القبض على عشرة مواطنين في ميكروباص هاربين من تأدية خدمة الترشح للرئاسة".
عقدة عدم اللياقة الإجتماعية
حول أسباب الزخم في التقدم لسحب أوراق الترشح للرئاسة المصرية، تقول الدكتورة أماني الطويل الخبير السياسي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ل"إيلاف" إن الزخم المصاحب لعملية فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة المصرية يأتي في إطار ممارسة الحق النظري في المساواة، لاسيما أن المصريين كانوا يعانون لسنوات طويلة من عقدة "عدم اللياقة الإجتماعية لشغل الوظائف الرفيعة"، وأوضحت أن النظام السابق كان يرفض تولي أبناء المصريين من البسطاء والعامة الوظائف المرموقة، ولا يلتحقون بكليات الشرطة أو النيابة العامة أو السلك الدبلوماسي، مشيرة إلى أن من تقدموا للترشح للرئاسة سواء الزبالين أي جامعي القمامة أو سائقي التاكسي أو الفلاح الأمي البسيط كل هؤلاء يهدفون إلى توصيل رسالة إلى صانعي القرار مفادها أنهم متساوون مع المرشحين البارزين الآخرين مثل عمرو موسى أو الدكتور عبد المعن أبو الفتوح.
وترفض الطويل نظرية المؤامرة في ما يخص هذا الزخم، وقالت إن جميع هؤلاء مدفوعون بالطموح إلى ممارسة حقهم في المساواة والعمل السياسي، وليس هناك من يدفع بهم إلى الواجهة لإضفاء نوع من الهزلية على الإنتخابات الرئاسية، وقالت إن من يعملون وفق نظرية المؤامرة لإفساد الإنتخابات يعملون في مستويات أعلى من ذلك.
أما الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية جامعة القاهرة والناشط السياسي، وفي تصريحات صحافية له، فيتبنى نظرية المؤامرة، ولا يستبعد أن يكون هناك من يدفع بهؤلاء المرشحين من أجل التقليل من الإنتخابات الرئاسية، وحتى يبدو المشهد هزلياً، ويسحب البسطاء من تحت أقدام المرشحين أصحاب الثقل السياسي.
تعطش لممارسة الحقوق السياسية
ويرى محمود عفيفي عضو المكتب السياسي لحركة 6 أبريل أن من حق أيّ مصري التقدم لسحب أوراق الترشح للرئاسة، وقال ل"إيلاف" إن النظام السابق حرم المصريين من ممارسة حقوقهم السياسية لسنوات طوال، وبالتالي فما يحدث يمكن وصفه بأنه نوع من التعطش لممارسة حقوقهم السياسية، ويرفض التقليل من شأن المتقدمين للرئاسة، وقال إن الأمر لا يعدو كونه نوعا من التعبير، لكن لم يستبعد في الوقت نفسه أن يكون بعضهم يسعى للشو الإعلامي.
عقدة "غير لائق إجتماعياً" وراء ترشح المئات للرئاسة المصرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق