الأحد، 18 مارس 2012

العالم العربي اختار «الوقت الخطأ» لإطلاق ربيع ثوراته ..إيلاف


توماس ميرو
الذين يعلقون كل آمالهم على الازدهار الاقتصادي والسياسي من وراء ثورات الربيع العربي يتعين عليهم تحجيم تطلعاتهم هذه والتمهل مع الحذر من الأسوأ. هذه نصيحة «البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية» الذي انتشل دول شرق أوروبا من المستنقع في بداية التسعينات.

وفقا لرئيس «البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية»، توماس ميرو، فإن الدول التي غشاها ربيع العرب بحاجة الى وقت طويل قبل تمتّعها بنوع التحول الاقتصادي الواعد بانتعاش سوق العمل والازدهار المعيشي.
وقلل ميرو من شأن التوقعات القائلة إن تلك الدول صارت تقف على عتبة التغيير الاقتصادي والسياسي فقط لأن رياح الثورة تهب عليها . فوصفها بأنها «توقعات كبيرة الى حد الاستحالة، ويتعين التعامل معها بالواقعية التي تضمن ألا تتحول الأوهام الى التطرف وزعزعة الاستقرار من أسسه».
يذكر أن «البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية» أُسس في 1991 لمساعدة دول الاتحاد السوفياتي السابق وشرق أوروبا الناهضة من رماد الشيوعية وأنظمة الحكم المركزي على التحول نحو الديمقراطية واقتصاد السوق الحر، أي الرأسمالية. وقد طلبت اليه الجهات الحاكمة لشؤونه والحاملة لأسهمه (وهي رئيسا الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي) أداء الدور نفسه في أربع من دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا هي تونس ومصر والمغرب والأردن.
تشاؤم قائم على التجربة
كان رئيس البنك يدلي برأيه في محاضرة قدمها في «لندن سكول اوف ايكونوميكس»، فشدد على أن التجارب والدروس المستقاة منذ تأسيس البنك في 1991 «تشير الى أن الطريق الى التغيير في تلك الدول (العربية) سيكون وعرا عسيرا ومحفوفا بالانتكاسات على الدوام».
وقال توماس ميرو في محاضرته، التي سلطت الضوء عليها صحيفة «وول ستريت جورنال» الاميركية المعنية بالشؤون المالية: «تجربتنا في شرق أوروبا ودول الاتحاد السوفياتي السابق علمتنا أن الرحلة العربية نحو التغيير والازدهار ستكون طويلة وشاقة. ومن الأفضل كثيرا أن يكون هذا واضحا للمواطنين العرب وأن يعلموا أنه لا عصا سحرية ستقلب الحال بين عشية وضحاها. التغيّر الاقتصادي الحقيقي على النحو الذي يحلمون به يحتاج الى قدر كبير من الجهد والوقت والصبر لأنه عملية تتبدى آثارها عبر الأجيال وليس أقل من ذلك».
الوقت الخطأ
تونس تسير على الطريق الصحيح بعد بن علي
يمضي ميرو قائلا إن الظروف التي يشهدها العالم العربي في الوقت الحالي «أسوأ كثيرا بالمقارنة مع ما كان الحال عليه بعيد سقوط الشيوعية. والسبب في هذا هو أن الدول الأخرى التي كانت قادرة في ذلك الوقت على المساعدة صارت تعاني هي أيضا من الضيق الاقتصادي والمالي في الوقت الحالي. بعبارة أخرى، فقد اختار العالم العربي الزمن الخطأ لإطلاق ثوراته».
وأضاف هذا الاقتصادي قوله إن ثمة عوامل نفسية أخرى مهمة تؤدي دورها في الظروف الحالية. فحقيقة أن العالم الغني يقف الآن مقيّدا بأغلال مشاكله من ركود وغيره وعاجزا بالتالي عن المساعدة «تجرد نموذج السوق الحرة من بريقه الزاهي وتجعله غير مستساغ بالمقارنة مع الأوضاع في مطالع التسعينات عندما كان هو البديل الأمثل ولم تكن للدول التي تتبناه نوع الأزمات التي تعصف بها الآن. وقد يقنع هذا الوضع العرب المتطلعين الى التغيير بأن نظام السوق الحرة فاشل هو ايضا. هذا غير صحيح وعلينا مساعدتهم في تجاوز هذا الانطباع».
هشاشة القطاع الخاص العربي
لكن ثمة مشكلة أخرى تتعلق بالدول العربية نفسها. فبينما يقدم «صندوق النقد» و«البنك الدولي» قروضهما الى الحكومات، يتعامل «البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية» بشكل رئيس مع شركات القطاع الخاص التي تشكو دول الربيع العربي من شح حاد فيها (أقل من ثلث ما كان لدى دول شرق أوروبا).
ومع ذلك، فإن ميرو يحذر دول الربيع العربي من مغبة الإسراع غير المدروس لمعالجة هذا الوضع بالتخصيص يمنة ويسرة وعفو الخاطر. فيقول إن هذا الخطأ هو نفسه الذي ارتكبته دول شرق أوروبا وأربكت بنتيجته أحوال المواطنين المعيشية على نحو لم يُشهد له مثيل في الأزمنة الحديثة.
والسبب في هذا هو ان التخصيص المستعجل يفسح المجال واسعا أمام الأخطاء ونشوء المؤسسات الداعمة غير المؤهلة لوظائفها، والأخطر من هذا، اختطافه على أيدي عناصر مقاومة للإصلاح لأنه يهدد مواقعها.
مصر لا تُطَمْئن، بعكس تونس
ثورة مصر أضرت كثيرًا بالسياحة المهمة للاقتصاد
ويرى ميرو أنه بينما تبشّر الأمور خيرا بالنسبة لتونس لأنها، على الأقل، تسير في الاتجاه الصحيح، فلا يمكن قول الشيء نفسه عن مصر. وأهم عنصر يَرِد هنا هو أن الضباب يلف نوايا المؤسسة العسكرية المصرية وليس واضحا ما إن كانت، كما وعدت، ستتخلى عن هيمنتها الظاهرة والمخفيّة على الأمور في البلاد.
ويقول إن الثورة التي أطاحت الرئيس حسني مبارك وغياب اليقين الذي تبع ذلك أصابا الاقتصاد المصري بقدر هائل من الضرر. وهكذا صارت الشركات والمؤسسات المالية (الأجنبية) متخوفة من استثمار أموالها في مصر. كما أن السياح الذين يساهون بنصيب أساسي في دعم الخزانة صاروا يبحثون عن أماكن أخرى لقضاء عطلاتهم.
ويضيف أن نجاح الثورة المصرية في تغيير الرئيس على الأقل نفخ الروح مجددا في المطالب الفورية بالوظائف وزيادة الأجور. ولكن مع تدني الموارد المالية وانتقال حالة الاقتصاد من سيئ الى أسوأ يصبح هذا مستحيلا بالنسبة لأي قيادة جديدة في قصر عابدين.
وعد بمساعدات عملية
الواقع أن «البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية» اتخذ خطوات عملية في الدول العربية الأربع المذكورة إذ بدأ فتح مكاتب له فيها وشرع في دراسة انواع الاستثمار التي يمكن أن يدخل فيها، كما يقول ميرو. لكن كل هذا رهن بموافقة 61 من حملة الأسهم الحكوميين في البنك في وقت لا يسبق نهاية العام الحالي.
ولكن، في غضون هذا، فسيطلب البنك الى حملة الأسهم هؤلاء لدى اجتماعهم السنوي في مايو / ايار المقبل الإذن بإنشاء صندوق خاص بميزانية مليار يورو (1.3 مليار دولار) من صافي دخله لهذا الغرض. وبناء على هذا فقد يصبح بوسعه الدخول في اول استثماراته بحلول منتصف العام، أي في يونيو / حزيران المقبل.
ويتوقع ميرو للبنك أن يصبح قادرا على استثمار ما لا يقل عن 2.5 مليار يورو (3.25 مليارات دولار) سنويا على المدى المتوسط. ولأنه سيعمل جنبا الى جنب شركاء من القطاع الخاص، فقد تساعد هذه الميزانية على توليد استثمارات تبلغ نحو 8 مليارات دولار (10.4 مليارات دولار) سنويا.
ويقول ميرو أخيرا: «من شأن هذه الأموال أن تحدث تغييرا إيجابيا مهما. لكن علينا أن نوضح بجلاء أنها لا تشكل غير نزر يسير من نوع التمويل الهائل الذي تحتاج اليه عمليات تحديث البنى الاقتصادية العربية لأجل أن تُحسب في عداد العالمية».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق