الأحد، 5 مايو 2013

أربعة وجوه للثورة؟!.. عبد المنعم السعيد متشائماً علي بوابة المصرى اليوم

لا


22:47 السبت 04 مايو 2013

اهم الأسئلة التى تواجه مصر هى كيف لا يكون مصير ثورة يناير نفس الوجهة التى ذهبت إليها كل الثورات المصرية منذ ثورة عمر مكرم وأنصاره التى نصبت محمد على والياً، وحتى ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، مروراً بثورة عرابى ١٨٨١، وثورة ١٩١٩، وكلها فشلت، منفصلة ومتصلة، فى جعل مصر بلدا متقدما مثل البلدان المتقدمة، من ديمقراطية «سليمة» يتمتع أهلها بالحرية والعلم وحقوق الإنسان، ورفعة بين البلدان تعطى ولا تأخذ اقتصاديا وتكنولوجيا؟ مثل هذا السؤال يحتاج مجموعة من الإجابات المعقدة،
 ولكن أكثرها بساطة هو التخلص من الوجوه المتعددة للثورة، والتى تختلط عندها الأمور حتى تنتشر الغيوم والضباب، ولا يصبح معروفاً ما إذا كان هناك تغيير شامل أم أننا سوف نمضى بضع خطوات إلى الأمام، وبعدها نمر بمرحلة من الجمود، ثم نجد أنفسنا فى انتظار ثورة جديدة تصب لعنتها على ما سبق، وتقف حائرة أمام ما يلحق. أو تضطرب الأحوال حتى يقال إن قوانين عدة سوف تصدر لكى تترجم أهداف الثورة إلى واقع، بينما يطرح فى نفس الوقت التمسك ببقاء القطاع العام وفاء وتقديراً لزعيم الثورة السابقة؟
مثل هذه الحيرة وذلك الاضطراب غالباً ما يعود إلى أن الثورة هلت على شعبها بأربعة وجوه مختلفة ومتناقضة فى أهدافها ومرجعياتها، وفى وسائلها وطرقها. أول الوجوه على الترتيب جاء به الشباب الذى قدم أول الصور الرومانسية للثورة ومثالياتها وشعاراتها عن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وهى تلك التى خلبت لب كثيرين لم يشتركوا فى الثورة، بل توجسوا منها، ولذا لم يمانعوا فى أن تكون هناك بداية جديدة للوطن تترجم هذه الأهداف العظمى إلى برامج عمل. ولكن ما جرى فعلياً لم يسفر عن جديد،
فسرعان ما ظهر أن الخطاب الثورى «الشبابى» لم يزد كثيراً عما كان يقول به اليسار المصرى فى السابق، وخاصة فى طبعاته الماركسية والتروتسكية، وفى طبعة التنظيم الطليعى الناصرية. فى هذه الطبعة يجرى تدخل الدولة فى الاقتصاد، ويتبعه فى حياة المواطنين، ومع ذلك يمكن أن يكون للحرية مكان هو المستحيل بعينه، ولا يبقى منها إلا بعض من الحماس لحقوق المرأة والأقليات الدينية. هذا الوجه فى العموم كان يريد العودة إلى حياة الستينيات بصورة أكثر تشدداً، ومع تصورها أن الوطن كله قطاعاً عاماً، ووظائف حكومية، قد بات وضع الحدين الأدنى والأعلى للأجور هو القانون الوحيد المحدد من قبل الجماعة اليسارية؛ أما ما هو غير محدد فهو يدور حول فلسفة توزيعية تأخذ من الغنى وتعطى الفقير، على اعتبار أن الغنى ليس مستثمراً أو أكثر تعليماً على الأغلب بالضرورة، وإنما هو فاسد بينما الفقراء، سواء كانوا من العاملين حقا أو لا، فهم من الأطهار. وهكذا تنتهى المرجعية الشبابية الثورية إلى «إدارة الفقر» من جديد، كما كانت، وربما بطريقة محسّنة تساعد عليها الثورة التكنولوجية المعاصرة.
الوجه الثانى للثورة رفع شعار المرجعية «الإسلامية»، وسار وراءه جماعات الإخوان المسلمين والسلفيين والجهاديين على تنوع توجهاتهم واجتهاداتهم. هؤلاء على شيوع الاتجاه المحافظ فكرياً وفلسفياً، شكلوا جموع الثورة خاصة ابتداء من الثامن والعشرين من يناير، وكانوا هم الذين أخذوا السبق فى شل الشرطة، ومن بعد ذلك المبادرة فى ترجمة الانتقال من النظام الذى بات قديماً إلى النظام الجديد الذى كان فى طريقه إلى الميلاد. لم يعرف عن هؤلاء أن لديهم برامج اقتصادية واجتماعية وحتى سياسية مكتملة، ولكن كان لديهم الاعتقاد فى وجود كل ذلك فى المرجعية الشرعية من ناحية، والمرجعية الشعبية من ناحية أخرى، حينما أيدهم الشعب فى استفتاء التعديلات الدستورية الذى أخفقت فيه وجوه أخرى للثورة. هذا الوجه كان يعانى من تناقضات كبرى لم يفلح أبداً فى حلها، فحينما التصق بالثورة وصار ممثلاً لها، كان معنى ذلك تبنى تغييرات كاسحة فى بنية المجتمع وطريقة تفكيره، ولكن ذلك كان يقف أمام الثبات والمرجعية الموجودة فى الكتب المقدسة. وعلى أى الأحوال فإن الواقع العملى لم يتح فرصة سهلة للتخلص لا من تراث ثورة يوليو فى القطاع العام، ولا حتى تبنى ذات السياسات التى سعى النظام السابق إلى تطبيقها واستحال فى النهاية إعطاؤها الصبغة الشرعية. وربما كان قانون الصكوك «الإسلامية» هو عنوان هذا الاتجاه،
فالقانون الجديد لم يكن مختلفاً من ناحية المفهوم، على الأقل عن المشروع الذى طرحه الدكتور محمود محيى الدين، وزير الاستثمار الأسبق، ولم ينجح فى تمريره، لأن الدولة ساعتها كانت اشتراكية بأكثر مما يتوقع. هذه المرة جاء الاعتراض من الأزهر، لأن القانون لا يتماشى مع الشريعة. لاحظ هنا أن القانون طُرِح من جماعات تعتبر الشريعة مرجعيتها، ومن الأزهر وهم الذين أصروا فى المادة الرابعة من الدستور أن يكون له حق مراجعة القوانين، رغم أنها تحتاج إلى دراية فنية بقوانين ربما لا تتوافر لدى فقهاء الدين. هذا الوجه من وجوه الثورة لم يكن ممكناً له إلا الدخول فى صدام مباشر مع أنصار الوجه الأول، ظهر أولاً عندما اختلفا حول الانتخابات أو الدستور من يكون فى المقدمة، وجاء ثانياً ساعة الانتخابات التشريعية، وتقدم ثالثاً عندما قام أنصار الوجه الأول بالهجوم على قصر الاتحادية.
الوجه الثالث للثورة جاء من المعارضين للنظام السابق، وكانت المطالب هنا متواضعة، فما كان مطلوباً هو النظام القديم مضافاً إليه ديمقراطية نزيهة. فهؤلاء الذين ذهبوا فوراً إلى ميدان التحرير ساعة الثورة، لم يكن لديهم مشكلة فى التوسط بينها وبين النظام ساعة احتدامها، وبعد السقوط الكبير للنظام بات الهمّ كله التواجد فى الساحة، سواء فى شكل أحزاب قديمة، أو جديدة تماثل القديمة، أو فى جبهة الإنقاذ الوطنى التى راحت تبحث عن هوية ما بين من يريد مسحات من اليسار، أو لا بأس أن يكون نسخة منقحة ومضمونة الديمقراطية من الإخوان المسلمين.
الوجه الرابع ظهر فى ذلك الخليط العجيب من الثورة والفوضى، وظهر فى الأشكال المختلفة من العنف والتى لم يكن لها هدف سياسى محدد سوى التواجد فى الساحة، وأحياناً استغلال الفرصة لهز هيبة الدولة والانتقام منها، وأحياناً أخرى القتل المباشر كما جرى فى بورسعيد، أو التحرش الجنسى بالنساء، وقيل أيضاً بالرجال، فى معظم الأحيان. هؤلاء لم تكن لديهم مهمة عملية أكثر من استمرار الفوضى، بقطع الطرق، ورفض تطبيق القانون، وإهانة الشرطة والقضاء، وتهديد كل رموز الدولة من المعارضة حتى رئيس الجمهورية.
وحينما تكون هناك وجوه أربعة لثورة ما فإن الحديث عن برنامج عمل تلتف حوله الأمة يصبح مستحيلاً، وساعتها لا يمكن إلا الانتظار لتفوق وجه على آخر، وسيادة منهج على مناهج أخرى، أما إذا بقيت الأحوال على حالها فربما نجد البلاد وقد سارت بعيداً عن المسار المتوقع أو تتباطأ وتكتفى باستمرارية لا تكفى للتقدم، ولا البعد عن أبواب الآخرين. ولكن هناك خطرا دائماً هو أن يجرى فى رحم الصراع بين الوجوه الأربعة وضع الشروط اللازمة لصناعة ديكتاتورية جديدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق