لم يكن الرئيس المصري السابق حسني مبارك يقرأ الغيب حين قال وهو يغادر القصر الجمهوري, قبل عامين, ان الفوضى تنتظر مصر, بل كان يقرأ واقع بلده السياسي, فها هي الفوضى أصبحت طوفانا من الدم والخراب والصدامات بين مؤيدي جماعة الاخوان المسلمين المهيمنة على الحكم وبين غالبية الشعب المصري, يومها قال مبارك للدول التي وقفت حكوماتها ضده وضغطت على مصر لتنحيه عن منصبه : "دعونا نصلح ما خربه الفساد, وإلا فان البلاد ستذهب ضحية لطمع "الاخوان" في السيطرة على مقدراتها, بل ستدمر", لكن من كان خارج البيت لا يدري بما فيه, لهذا تسرعت تلك الدوائر في مواقفها التي يمكن اعتبارها تشجيعا على الفوضى وانهيار نظام الحكم, وها هي كؤوس الحقيقة المرة يتجرعها الشعب المصري اليوم.
صحيح ان الدولة في مصر لم تكن بعيدة عن الفساد, وهي في ذلك ككل الدول لأن الفساد أصبح عملة عالمية, تتفاوت نسبه بين دولة وأخرى, إنما إفشال الدولة هو الخطر الاكبر الذي تتعرض له أرض الكنانة اليوم وتسير الى الصوملة, فما كان في عهد مبارك مرض قابل للعلاج, لكن لا علاج لفشل الدولة, وتجربة هذه الجماعة وغيرها من التيارات الدينية خير دليل على ذلك. هذا هو الطوفان الذي نبه منه مبارك.
ففساد "الاخوان" في أقل من عام بلغ أضعاف أضعاف ما أعلنه الثوار وضخمته بعض دوائر القرار في العالم, واستغلته وتاجرت به "الجماعة" كي تسهل سرقتها للثورة وسيطرتها على الحكم, وتبدأ عملية النهب الممنهج. ففي غضون أشهر سرقوا مصر كلها ما دفع الشعب للخروج مجددا الى الميادين والشوارع ليوقفهم عند حدهم بعدما اكتشف صواب كلام رئيسه السابق لأنه كان تحذير الصادق المؤمن بوطنه, وليس كما زعم قادة "الاخوان" إنه التهديد بالفوضى, فلو أراد مبارك ذلك لما صمد في مصر وبقي على أرضها وواجه كل هذه الاهانات بصبر وعزيمة, بل كان غادرها وتركها للغيلان تنهش بها.
هذا هو الرئيس الذي قال: ولدت على أرض مصر وحاربت من أجلها وسخرت حياتي لها وأموت على أرضها. الرجل الذي ظهر في المحكمة وعلى وجهه علائم الصبر والثبات لأنه مؤمن ان الله مع الصابرين الذين يوفيهم أجرهم بغير حساب, وكأن ابتسامته في المحكمة تقول لتلك الجماعة :شكرا لقد فضحتم أنفسكم وبينتم قبحكم للشعب, فما نهبتموه في أشهر يفوق بكثير ما اتهمنا به, ومن قتلتموهم في ساعات أكثر بكثير مما استشهد أثناء الثورة.
المؤمنون مبتلون لكن نهاية البلاء الخير كما وعدهم الله عز وجل, ومبارك ممن بشرهم الله في ذلك حين بانت نوايا الذين استباحوا, تحت شعار الدين, كل المحرمات في مصر.
غير أن ذلك لا يعني ان عهد الرئيس مبارك لم يشهد أخطاء, ففي كل الدول هناك فاسدون يتغلغلون في المؤسسات ويحملون تبعة أعمالهم الى الحكام كي يحصنوا أنفسهم ويبعدوا عن رقابهم سيف المساءلة, لكن كل الاخطاء التي حصلت في عهده لا تساوي عشر ما ارتكبته جماعة "الاخوان" في أشهر معدودات من خطايا بل كبائر لا تغسلها كل مياه الارض.
الشعب اليوم استيقظ من غفلة التدليس الاخوانية, واكتشف حقيقة رئيسه السابق, الذي لا بد أنه سيظفر في نهاية المطاف, ونقولها لمبارك: تأكد ان الشعب المصري سينتقم لك ممن ظلمك وظلم مصر, وهو وعد الله في معاقبة الظالمين.
أحمد الجارالله
السياسة::مبارك أبشر بشرى الصابرين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق