السبت، 28 أبريل 2012

سلامة الياس يكتب: ترويض النمرة.. السيرك السياسي .. الشروق


حالاً بالاً سأصارع أسد إنما إيه؟! متوحش.. وأخلي وشه شوارع.. تصقيفه يا ناس.. ما يصحش!

الدعاية البدائية لأكثر فقرات السيرك إثارة وتوحشاً وقسوة.. والتي تجبر قطاع كبير ومتنوع من الجماهير يقبل علي السيرك في أي وقت وبأي ثمن.. فهذه الفقرة بالذات لا تخضع لأي مؤثرات إيحائية أو خدع بصرية أو سمعية، فقرة لا تخضع سوى للثبات الانفعالي و النفسي لدى مروضي الأسود، بشر عاديون بمقومات عقلية رهيبة في الفعل ورد الفعل، يتوقعون الموت في أي لحظة ولكن لا يخشونه، يتوقعون الموت في كل لحظة ولكن لا يسعون إليه.

بشر مثلي و مثلك و لكن  بإمكانيات عضلية وعصبية نادرة تمكنهم من السيطرة علي جماح النفس بين الخوف والغرور.. فكلاهما مميت.. والقاعدة الأساسية لا مفر من الموت.. ولكن لا تسعي إليه.. و الخوف والغرور أقصر الطرق إلي النهاية.. والأهم أنك لن تجد من تسأله كيف يسعى المرء إلى الهلاك؟ فمن يملك هذا الجواب كان وجبة شهية لهذه الوحوش منذ قليل.. فكن إنسان فقط وتعامل مع هذه الكائنات علي أنها وحوش كاسرة، تصرف علي طبيعتك وأكبح جماح طبيعتها المتوحشة، فطبيعتك بشر عاشق للحياة.. وطبيعتها كواسر تعشق اللحم أي لحم.. فاحرص على عشقك للحياة، لتقضي علي عشقها للحم، ولتحيا سالماً إن شئت.. والتزم بأهم قواعد اللعبة.. لا تلاعب جائعاً.. فالكواسر لا تلهو إلا إذا شبعت.. و إذا جاعت قنصت.. ووقتها ستكون الفريسة الوحيدة المتاحة أمامها.

 مقدمة موسيقية صاخبة وأضواء متلألئة.. يتزامن معها دخول نجم العرض الأوحد في ملابس مزركشة تكشف عضلاته المفتولة وثقته الهائلة.. متقدما قطيعاً من الأسود والنمور المتوحشة.

تنتظر إشارة من أصابعه للتراص بهدوء فوق منصاتها بلا تردد.. وفجأة يخيم الهدوء.. وتحتبس الأنفاس.. ولا تسمع سوى زئير ومواء هذه الكواسر.. وصوت مروضها يأمرها فتطيع..  يوجهها فتنصاع.. تقفز تجري تلهو في خيلاء وزهو.. بين تصفيق وآهات إعجاب الجمهور المتشبث بمقاعده.. ودعاء وأمنيات ذوي القلوب الرقيقة بالنجاة للجميع.

 وبانتهاء العرض تنسحب هذه الكواسر أمام مروضها في هدوء تاركة ساحة العرض تشهد ببراعة وقوة وذكاء هذا المروض الرهيب، أما وراء الكواليس فالجميع علي قدمٍ وساق تحسباً لأي طارئ قد يكدر صفو هذا العرض الكبير..  وأهمهم مسئول الإضاءة، وتكون مهمته إظلام المسرح في أول بادرة غدر من الكواسر ومهاجمتها لمروضها لمباغتتها وتحجيم قوة اندفاعها ولو لثوان معدودة.. ثوان معدودة تسمح لكتيبة من المروضين بالدخول لساحة العرض وتصفية الوحوش المتمردة، والسيطرة علي البقية، و من ثم سحب المروض المغدور لإسعافه، كما أن إظلام المسرح يمنع الجماهير من مشاهدة الهجوم الدموي للوحش المتمرد.. ومن ثم منع الجماهير من محاولة الهرب و التدافع للنجاة  وإيذاء بعضهم البعض.. وإعادة بث الهدوء والطمأنينة بينهم عندما تضاء الأنوار مرة أخرى ويظهر المروض الرهيب لتحية الجمهور تحية خاطفة.. مع صوت المذيع الداخلي للسيرك يطمأن الجميع أن ما حدث مجرد خطأ تقني تم السيطرة عليه.. وسط تصفيق الجماهير وانبهارهم، ودعوات تحمد الله علي النجاة.

 الغريب أن يكتشف بعض الجمهور في اليوم التالي أن بعض وسائل الإعلام تبث خبر التهام أحد الكواسر لمروض الأسود خلال هذا العرض.. وهنا المنة الإلهية التي تستغلها إدارة السيرك للدعاية المجانية.. فالخبر يتناوله الجميع بين مصدق ومكذب، ومع الوقت يتناسى الجميع الحدث والحديث ويبقي اسم السيرك يتذكره الجميع.

 أما الحالمون فلا ينتابهم الشك مطلقاً حول قدرات هذا المروض الرهيب فقد رأوه بأعينهم يتبسم ويحيهم بعد انتهاء العرض، ولا يتساءل أحدهم هل رأينا وجه هذا المروض في بداية العرض فعلاً؟ أم وجوه هذه الكواسر كان شغلنا الشاغل؟ الحالمون لا يُحكمون العقل والمنطق.. فعالم الخيال هو عالمهم الأمثل للهروب من قسوة الحياة رافضين أي تفسير علمي أو فطري لهذه الأفاعيل.. متحفزين للدفاع عما يعتقدون، وإن كان يخالف العرف والمتعارف.

 وراء الكواليس فتعمد إدارة السيرك إلى التخلص من جميع الكواسر التي شاركت بهذا العرض واستبدالهم بوحوش أخرى تدين بالولاء للمروض الجديد.. فلا جاني ولا شهود.. فهذه الحياة لا تحتمل التجربة فالجاني و شهود الواقعة، بل والمجني عليه إذا نجا لا يؤتمنون.. إنها الاحترافية.. إنهم هناك خلف الكواليس.. كخلايا النمل.. حركة و نظام دائمين.

استفسار بسيط، ما علاقة هذا الكلام بواقعنا السياسي الآن؟ الفكر السياسي هو تحليل للخبرات الإنسانية وقولبتها داخل قوالب دعائية.. يسهل ترويجها بين الناس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق