تتدافع الأحداث فى مصر خلال الأيام الأخيرة بصورة مثيرة للقلق والمخاوف لدى جميع المصريي، الذين لا يتوقفون عن التعليق عليها والتساؤل حولها وإبداء الشكوك فيها. وتتداخل فى نفس الوقت مستويات التوتر السياسى المتصاعد فى البلاد ساعة بعد أخرى، ليبدو المشهد أكثر تعقيداً مما كان عليه قبل هذه الساعة، مما يدعو كثيرين إلى الشعور العميق بالتشاؤم مما سوف تشهده الأيام المقبلة.
فالمشهد الرئاسى أصبح ليس فقط معقداً بل محيراً وغامضاً ومليئاً كل لحظة بالمفاجآت التى جعلت منه أقرب لمسلسلات الخيال العلمى الذى يمكن أن يوصلنا لأى نتيجة لم تكن قط متوقعة وفقاً للمعايير الواقعية التى نعرفها ونعيشها. فحتى اللحظة لا يستطيع المصريون أن يعرفوا بدقة القائمة النهائية للمرشحين لأعلى منصب فى البلاد، بالرغم من إغلاق باب الترشح بالأمس، وعليهم الانتظار حتى تقدم الطعون والتظلمات منها، ثم إعلان القائمة النهائية للمرشحين المقبولين يوم 26 أبريل الحالى، وقبل خمسة وعشرين يوماً فقط من يوم الانتخاب. وليس هذا فقط، بل هناك ذلك التداخل بين ألوان المرشحين السياسية وأطيافهم الفكرية بصورة معقدة وغير مفهومة بالنسبة للمواطن الناخب الذى سيكون عليه أن يميز بين من يصعب التمييز بينهم لكى يختار فى النهاية أحدهم رئيساً للجمهورية.
وقبل هذا وبعده هناك هذا الاستقطاب الحاد الذى ساد انتخابات الرئاسة فور ترشح المهندس خيرت الشاطر عن جماعة الإخوان المسلمين، بالترافق مع المنع شبه المؤكد لترشح الأستاذ حازم أبوإسماعيل، وذلك بترشح السيد عمر سليمان الذى نظر إليه من زاويتين: الأولى أنه مرشح الدولة أو المجلس العسكرى لمواجهة مرشح الإخوان، والثانية أنه إعادة إنتاج مباشر لنسخة جديدة معدلة لنظام مبارك بعد خلعه بأقل من عام ونصف. وبجانب هذا الاستقطاب يبدو المشهد السلفى بعد خروج أبوإسماعيل مثيراً للتخوف وللحيرة معاً.
التخوف من ردود أفعال شباب السلفيين المتحمسين، ليس فقط تجاه العملية الانتخابية، بل تجاه العملية السياسية كلها بعد شعورهم - الصحيح أو الخاطئ - باستبعاد مرشحهم المتعمد من المنافسة بعد أن حقق فيها معدلات عالية للغاية. أما الحيرة فهى تتعلق بالاتجاه الذى ستذهب إليه الأصوات التى كانت لأبوإسماعيل بعد خروجه، والمدى الذى يمكن أن تؤثر به على السباق الرئاسى، خاصة مع التعدد الواضح فى المرشحين الإسلاميين الذين يرغب جميعهم فى اجتذاب هذه الكتلة التصويتية المهمة إليه.
وعودة إلى ترشح سليمان وعلاقته بالمعسكر الثالث فى الانتخابات الرئاسية، وهو ما يمكن وصفه على اتساعه بالمعسكر «المدنى»، الذى يضم عديداً من المرشحين غالبيتهم العظمى من المحسوبين على قوى الثورة، ويضاف إليهم بدرجة من الحذر السيد عمرو موسى، الذى يعد الأعلى تأييداً فى استطلاعات الرأى العام. ويبدو هذا المعسكر فى حالة تحد حقيقية أمام التخوف من ترشيح الشاطر عن الإخوان المسلمين أو الدكتور محمد مرسى فى حالة مواجهة الأول لعقبات قانونية تحول بينه وبين استكمال السباق، وأمام الرفض الكامل منهم لترشح سليمان، الذى يرون فيه إعلاناً نهائياً بفشل الثورة والعودة إلى نقطة الصفر من جديد.
ولا يبدو حتى اللحظة أن هناك تصوراً استراتيجياً بداخل هذا المعسكر لمواجهة هذين التحديين الكبيرين، فقط هناك بعض المحاولات لتوحيد مرشحيه فيما بات يسمى «الفريق الرئاسى»، والتى يواجهها رفض بعض هؤلاء للتنازل لصالح أحدهم بناء على حسابات انتخابية يرون أنها لصالحهم. إلا أن المرجح مع إغلاق باب الترشح وبدء الماكينة الانتخابية للإخوان المسلمين فى الدوران لصالح مرشحهم أيا كان، وانطلاق حملة سليمان بكل ما تخاطب به المواطنين البسطاء من مشاعر الاستقرار والأمن، أن تتحرك قوى هذا المعسكر «المدنى» بصورة أسرع، وأن تبحث عن صور أخرى للتحالفات بداخلها، قد تمتد لأطراف، لمعظمهم عليها اليوم ملاحظات تحول دون هذا.
وأما عن ترشح نائب الرئيس السابق فإنه بدا بالنسبة لكثير من المحللين بمثابة المفاجأة الأكثر أهمية فى السباق الرئاسى بعد طرح مرشح للإخوان المسلمين، ونظروا إليه بأنه إعادة إنتاج بصورة جديدة للصراع والاستقطاب الذى كان قائماً فى مصر قبل الثورة بين الدولة والإخوان، وكأن شيئاً لم يحدث فى البلاد خلال الفترة منذ خلع مبارك فى فبراير 2011.
إلا أن هذه الرؤية لم تمنع من وجود حقيقة تبدو فى انطباعات شائعة وسط المصريين بأن «سليمان» هو الأقدر على مواجهة التغول الواضح من الإخوان المسلمين خلال الفترة الأخيرة على كل سلطات الدولة بما فيها رئاسة الجمهورية، وهو الأمر الذى يبدو أن سليمان قد اعتمد عليه بصورة كبيرة فى قراره بالترشيح وفى توقيت إعلانه. ومع ذلك فإن ترشح سليمان لم يمر سهلاً ليس فقط بداخل المعسكرين الآخرين المواجهين له: الإخوان، والمعسكر «المدنى»، بل أيضاً بداخل معسكره نفسه، حيث امتنع الفريق أحمد شفيق عن الانسحاب لصالحه كما سبق أن أعلن بعض القريبين منه، وكما توقع كثير من المحللين، الأمر الذى يعنى أن بعضاً من الأصوات، التى كان من الممكن أن تذهب إليه، ستظل فى مكانها للفريق شفيق، مما يخلق له تحدياً داخلياً سيؤثر دون شك على فرصته.
هذه هى ملامح المشهد الرئاسى الأساسية بعد ساعات من إغلاق باب الترشح، والسؤال الآن عما يمكن أن يتغير فيها خلال الأيام والأسابيع القليلة جداً القادمة. والأرجح هو أنه على صعيد المعسكر الإسلامى بجميع أطيافه، سوف تظل تعددية المرشحين قائمة به وستتوزع أصواته بنسب مختلفة بين مرشح الإخوان والدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والدكتور سليم العوا، بينما سيحظى الأولان منهما بنسب متفاوتة من الأصوات السلفية التى لم يعد لها مرشح بعد خروج أبو اسماعيل.
وأما معسكر رجال النظام السابق، فإن تقدم عمر سليمان سيظل هو الأكثر توقعاً مع استمرار ترشح الفريق شفيق مما سيزيد من الجهد الذى يجب أن يبذله الأول لكى يصل إلى دور الإعادة. وبالنسبة للمعسكر الثالث «المدنى» فإنه يبدو الأقرب للتوصل للتوافق حول فريق رئاسى ستكون مرحلته الأولى صعبة وليست مستحيلة بين مرشحى القوى الثورية، بينما ستكون الثانية أكثر صعوبة وهى ضم السيد عمرو موسى إليه. وتكمن الصعوبة فى الصورة التى تروج للأخير بين بعض هذه القوى باعتباره كان جزءاً من نظام مبارك، وهو الأمر الذى قد يتم التغلب عليه باتفاقات سياسية وتعهدات علنية منه وفى برنامجه باستكمال أهداف الثورة.
فى كل الأحوال تشهد مصر كل يوم تغيراً جديداً ومفاجأة لم تكن متوقعة، وبذلك تظل كل الرؤى السابقة مجرد افتراضات قد تتحقق وقد تنهار فى لحظة واحدة إذا ما جد جديد غير متوقع. ويبقى بعد كل ذلك أننا نمر اليوم بالفعل بأخطر وأهم مرحلة ليس فقط فى تطور ثورتنا العظيمة، بل فى تاريخ بلدنا الحديث كله منذ محمد على باشا فى بداية القرن التاسع عشر.
المشهد الرئاسى: صعب ومحير .. ضياء رشوان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق