يبدو أن الكلمة الأخيرة لدي اللواء عمر سليمان نائب الرئيس السابق،ومدير المخابرات العامة السابق،هي اعتزاله للعمل السياسي وعدم الترشح للرئاسة.
فخلال الأيام الأخيرة كانت هناك محاولة ضغط شعبية لدفعه من أجل ترشيح نفسه للرئاسة،قادتها الجبهة الثورية،وهي جبهة كونها مجموعة من الشباب رأوا فيه الرئيس الأمثل لمصر خلال هذه الفترة الحرجة،كما أنهم راجعوا كل ملفاته،فلم يجدوا فيها ما يمكن أن يدينه أو يشينه،كما أنه تقريبا من القلائل الذين عملوا إلي جوار مبارك،الذين لم يتقدم أحد ضدهم بأي بلاغات تتهمهم بالفساد.
لم يتجاوب عمر سليمان مع أعضاء الجبهة الثورية،لم يدعهم إلي لقائه،علي الأقل ليقول لهم،إنه أخذ موقفه النهائي وأنه لن يتراجع عنه،لكن أعضاء الجبهة واصلوا عملهم من أجل سليمان،آملين أن يغير رأيه في اللحظة الأخيرة.
حاول أعضاء الجبهة الثورية أن يتحرشوا ببعض مكاتب الشهر العقاري التي رفض أعضاؤها توثيق توكيلات لصالح سليمان،وعندما لم يجدوا أي طريق يصل بهم إلي الرجل،قرروا أن يقودوا مسيرة ضخمة إلي بيته يطالبوه خلالها أن يستجيب لهم،لكنه في الغالب لن يستجيب،فقد حسم أمره،وقضي الأمر الذي يستفتي فيه الجميع.
بخروج عمر سليمان من السباق الرئاسي ـ وجوده كان حتي هذه اللحظة نظريا إلي حد كبير- يكون الرجل الكبير الذي كان رمزا للمخابرات العامة المصرية قد أخلي مساحة كبيرة لآخرين من الجهاز،ليخوضوا السباق.
علي خريطة المرشحين للرئاسة ظهر حتي الآن أربعة من قيادات المخابرات العامة المصرية،أحدهم تم سحبه من السباق مبكرا جدا،والآخر أعلن رسميا أنه ليس طرفا في اللعبة من قريب أو بعيد،والاثنان الآخران لا يزالان يسيران في السباق معتقدين أنهما يمكن أن يحققان نتائج طيبة.
استعراض الأربعة قد يفيدنا لرسم ملامح ما قد يكون من دور للمخابرات العامة في الانتخابات الرئاسية.
الأول هو الفريق حسام خير الله،وهو أول من أعلن ترشحه للرئاسة،اسمه بالكامل أحمد حسام كمال خير الله،من مواليد 22 يوليو 1945،كان رئيسا لهيئة المعلومات والتقديرات،وآخر منصب شغله كان وكيل جهاز المخابرات العامة.
أعلن حسام ترشحه للرئاسة في 2 يناير 2012،لكن الفكرة نفسها كانت قد قفزت إلي ذهنه في رمضان الماضي،عندما ضمه هو وبعض المسئولين الكبار في جهاز المخابرات حفل إفطار رمضاني،كان علي قمته اللواء عمر سليمان.
وقتها لم يكن حسام يفكر في الترشح للمنصب،ولا أن يكون رقما في المعادلة السياسية الحالية،كان يعرف أن السيد عمر سليمان يمكن أن يكون مرشحا محتملا،لكن سليمان حزم أمره وقتها وأكد أنه لن يترشح،ولن يخضع لأي ضغوط من أي نوع،خاصة أن هناك كثيرين في الشارع المصري يطالبونه بالترشح.
رأي حسام أن الفرصة أمامه مواتية،فرجل المخابرات الكبير خرج من السباق،وعليه فهناك فرصة له أو حتي لغيره من بين رجال المخابرات العامة،وهذا حقهم ليس فقد لأنهم مواطنون لهم جميع الحقوق،ولكن لأن لديهم خبرة ودراية،ولديهم استعداد نفسي للقيادة.
كان أهم ملمح من ملامح حسام خير الله،إعلانه الذي حمل صيغة التأكيد أنه ليس مرشح المجلس الأعلي للقوات المسلحة،وأنه لا يرتبط بأي علاقات مع أي من الأحزاب الموجودة،وهو ما فعله المرشح الرئاسي الثاني القادم من رحم المخابرات العامة.
هو ممدوح قطب الذي كان يعمل مديرا بالمخابرات العامة،أعلن ممدوح ترشحه عبر مؤتمر صحفي عقد في نقابة الصحفيين،حيث أشار إلي ليس مرشح جهة بعينها أنه ولا تيار بعينه ـ ألمح إلي التيارات الدينية فهو ملتحي ـ ولكنه مرشح مستقل،أقدم علي هذه الخطوة لما تعانيه مصر وأهلها من تدهور أمني واقتصادي واجتماعي.
قطب لم يتعامل بنخبوية مع المواطنين كما فعل حسام خير الله،الذي يبدو بعيدا عن الشارع وعن المواطنين العاديين،فممدوح ركز علي نشأته البسيطة ضمن أسرته المتوسطة في إمبابة،ليؤكد أنه من الشعب وأنه يعرف ما يعانيه جيدا.
عزف ممدوح كذلك علي الوتر الحساس لدي الشعب المصري،وهو الوتر الديني،فهو لا يتطلع إلي منصب أو جاه أو سلطان أو مال،ولكنه كما وصف نفسه مجاهد في سبيل الله،جاء ليعمل من أجل خدمة وفداء مصر وشعبها الكريم.
ممدوح قطب لم يستطع أن يغفل خلفيته العسكرية،خاصة أن كل من يأتي من جهاز أمني أو عسكري،يتم النظر إليه علي أنه مرشح المؤسسة العسكرية أومرشح الأجهزة الأمنية،وهو ما جعل ممدوح يفصح عن تاريخه العسكري،مؤكدا في الوقت نفسه أنه ليس مرشح المؤسسة العسكرية،ولا علاقة له بها الآن.
قطب انتمي للمؤسسة العسكرية خلال الفترة من 1975 وحتي العام 1982،ثم انتقل بعدها إلي وظيفة بالمخابرات العامة،لكن هذا لم يؤهله ليرشح نفسه أو يجعله مستحقا لها،فمن وجهة نظره،ما يجعله الأقرب إلي المنصب،أن له قاعدة كبيرة ومهمة في محافظات مصر المختلفة،حيث عمل لفترة طويلة في مؤسسة مصر الخير التي يرأسها الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية،
من خلال عمل ممدوح في هذه المؤسسة تواجد في الصعيد ومعظم محافظات الجمهورية،وهو ما جعله يفكر في أن يترشح،أي أنه لم يعمل في الخير من أجل المنصب،لكنه فكر في المنصب بعد أن أدرك أنه يمكن أن يساهم في عمل الخير.
الفارق الزمني بين حسام خير الله وممدوح قطب عشر سنوات كاملة لصالح حسام،لكن الواقع يقول إن القبول الذي يحظي به ممدوح أكثر بكثير في الشارع من القبول الذي يحظي به حسام،فممدوح يعرف جيدا كيف يعزف علي وتر الشعب المصري الديني والشعبي،في حين يحتفظ حسام بجدية ووجه خشبي يبدو أنه اكتسبه من عمله الطويل في جهاز المخابرات.
قطب ركز علي حادث اختطافه أيام كان يعمل في السفارة المصرية في بغداد من قبل بعض الجماعات المتطرفة،لم يركز قطب علي أن ضابط أمن الدولة السابق محسن السكري المحكوم عليه بالسجن بتهمة قتل المطربة اللبنانية سوزان تميم،ولأن هناك جهودا كبيرة بذلتها الخارجية المصرية من أجل تحريره من أسره.
لكنه اهتم بالحديث عن سبب اطلاق سراحه من قبل مختطفيه،فقد وجدوا فيه رجلا مصليا محافظا علي فروض الله،كما وجدوا فيه نموذجا للتدين الذين يرونه صحيحا،ولذلك تركوه دون أن يقتربوا منه بأي أذي.
قد يكون ممدوح قطب حسن النية تماما وهو يحكي مثل هذه الحكايات،لكنه مؤكد يعرف أن هذه الحكايات التي يرويها لها مفعول السحر في نفوس المصريين.
ورغم الحضور البادي لممدوح قطب والذي يميزه عن حسام خير الله،إلا أن ما يجمع بينهما أنهما يفتقدان الكاريزما الشخصية،التي يأتي جزء كبير منها من عند الله،والجزء الأهم فيها أنها تبني علي التاريخ الشخصي الذي يعرفه الرأي العام،ولأن أحد لا يعرف عنهما شيئا كبيرا أو له قيمة،فهما يتحركان في منطقة ضبابية لا قيمة ولا أهمية لها علي الإطلاق.
اللغز الأكبر كان في اللعب برجال المخابرات السابقين في السباق الرئاسي،بدأت اللعبة من حملة منصور حسن،عندما تم الإعلان عن اختياره لسامح سيف اليزل نائبا له.
سيف اليزل يتم تقديمه علي أنه خبير استراتيجي،ويرأس فعليا مركز الجمهورية للدراسات السياسية والاستراتيجية،وهو مركز لا أثر له علي الإطلاق لا في الحياة السياسية ولا الفكرية في مصر،لكنه يتم تقديمه بهذه الصفة.
سامح سيف اليزل كان يعمل في حملة منصور حسن،وظهرت حكاية النائب هذه،عندما كان يجلس هو ومني مكرم عبيد مع حسن،وألحا عليه بأن يرشح نفسه في الانتخابات الرئاسية،فقال لسيف:موافق علي أن تكون أنت النائب.
كانت كلمة منصور حسن علي سبيل المجاملة،لكن سيف اليزل أخذها علي محمل الجد،وقام بتسريب الخبر إلي جريدة الأهرام،وهو ما وضع منصور حسن في وضع حرج للغاية،في ظل الاعتراضات الكثيرة علي دور سامح سيف اليزل في الحياة السياسية المصرية،خاصة أن الدور الأكبر الذي يقوم به هو الدفاع عن المجلس العسكري وأجهزة الأمن في كل ما تفعله،دون أن يضع ولو احتمالاً واحداً أن تكون الأجهزة الأمنية ارتبكت خطأ.
منصور حسن أعلن أن ما نشرته الأهرام عن سامح سيف اليزل لم يكن صحيحا،وعندما راجعه اليزل في ذلك،وأنه وعده بالمنصب،قال له إنه قال ما قاله علي سبيل المجاملة،وأن موضوع النائب سابق لأوانه تماما،وهو ما كرره منصور حسن مع عدد ممن عرضوا عليه أن يكونوا نوابا له،لم يرفض ولم يقبل،لكنه قال إن الأمر سابق لأوانه.
علي نفس الخط وبسبب ما أعلنه سامح سيف اليزل،الذي قدم نفسه بخلفيته العسكرية والمخابراتية،أعلن عمرو موسي بالإعلان أنه سيدخل الانتخابات ومعه نائب من جهاز المخابرات وهو اللواء عمر قناوي،وذلك في موازنة مع ما فعله منصور حسن،وذلك في مغازلة واضحة للمجلس العسكري وجهاز المخابرات القوي.
لكن عمر قناوي لم يترك ما نسب إلي حملة عمر سليمان يمر مرور الكرام،لكنه نفي في عدد من وسائل الإعلام أنه سيخوض الانتخابات الرئاسية نائبا للرئيس مع السيد عمرو موسي،قناوي قال إنه يكن كل الاعتزاز والتقدير للسيد عمرو موسي لكن لم يحدث أن تحدثا في هذا الأمر.
ليس هذا فقط،فعمر قناوي أعلن جازما أنه غير راغب علي الإطلاق في المشاركة في أي نشاط سياسي،ويبدو أنه في ذلك تأثر برغبة عمر سليمان في الابتعاد الذي برره بأن البلد لم يعد فيه كبير وأنه لا يريد أن يتبهدل في آخر أيامه.
عمر قناوي كان قريبا من عمر سليمان في سنوات عمله الأخيرة،فقد كان وكيلا للمخابرات العامة،كما كان مسئولا عن عدد من الملفات المهمة قبل أن يبلغ سن التقاعد وترك منصبه في العام 2010 ...قبل الثورة بشهور قليلة.
أين دور المخابرات الآن...لقد أعلن المرشحون المنتمون للمخابرات المصرية أنه لا علاقة للجهاز بهم الآن،وأنهم يخوضون الانتخابات مستقلين بعيدا عن وصاية أو تأثير الجهاز،وهو كلام لابد أن نصدقه لأننا لا نلك أي دليل علي كلام غيره،لكن المؤكد أن جهاز المخابرات ليس بعيدا علي الإطلاق عما يحدث في مصر.
جريدة الخميس | أسرار اعتزال عمر سليمان العمل السياسي وانسحاب اليزل من حملة منصور حسن